بين رغبة المجتمع الدولي وحاجتنا المحلية

بقلم : د. عبد الله بيان: لاحظت خلال مذاكرة مع إحدى البنات لدروسها في الصف السادس الابتدائي العام الماضي، أن من مقرراتهم في مادة العلوم الطبيعية تدريس مرض متلازمة نقص المناعة المكتسبة (السيدا). في ما لا يحتوي ذلك المقرر على أي شيء عن مرض إلتهاب الكبد الفيروسي مثلا، رغم انتشاره في البلاد وسهولة انتقاله بين الناس. فقلت في نفسي لعل هذا من تخطيط "المجتمع الدولي" لبعض دول إفريقيا كما يراها هو، لا كما يعكسه واقعها ويلبي حاجاتها بالضرورة. خاصة في ظل ضعف دور حكوماتها المحلية عن غربلة المناهج والسياسات. أطفال "يُبلحو" في عمر مبكر من حياتهم على معرفة الأدوات المستخدمة للوقاية من "مرض جنسي"(على أهميته)، نزولا عند رغبة المجتمع الدولي، في ظل تجاهل مرض آخر يفتك بمجتمعهم، ويزيد خطره عليهم بأكثر من 100 مرة، حسب بعض الاحصاءات. 

 تذكرت الأمر نفسه عندما رأيت جانبا من الجدل المتجدد حول "قانون النوع" (ربما هذه هي نسخته الثالثة). فالواقع يقول إن المرأة تحتاج الدعم لنيل حقوقها الشرعية وحفظ كرامتها في كل مكان من العالم تقريبا، بما في ذلك في موريتانيا. ولكن الإشكال يكمن في الخلط والتنميط في مثل هذا النوع من القوانين الدولية. حيث يتم تضخيم مشاكل تعاني منها "دول المنشأ" وتُتجاهل أخرى تهم المجتمعات المستهدفة. 

مثلا، تتعرض امرأة من كل 10 نساء في فرنسا للعنف المنزلي. وتموت منهن 10 نساء كل شهر تقريبا لنفس السبب. وتتعرض أكثر من 50% من نساء الولايات المتحدة للتحرش خلال حياتهن (وتصل تلك النسبة 77% في ما يتعلق بالتحرش اللفظي)… وهي الأرقام المرتفعة المتكررة في عدد من البلدان الغربية. ولكن المرأة في مجتمعنا الموريتاني تحتاج حفظ كرامتها ونيل حقوقها بشكل أكبر في مجالات أخرى أكثر أهمية في حياتها اليومية. حيث، مثلا، تعدد الزيجات (تتزوج المرأة الموريتانية أكثر من مرة بنسبة تزيد على 20%، إذا استثنينا فئة السوننكى، التي تنخفض فيه تلك النسبة لأكثر من النصف)، وما ينتج عنه من سهولة ضياع حقوق الأبناء في التعليم والصحة والمأوى الكريم.. والنساء في حاجتهن للعمل من أجل أبنائهن ودعم أسرهن تحتجن منع التمييز ضد هن في الولوج إلى التوظيف (حيث لا تشكل النساء العمالات إلا حدود 15% في بلدنا). كما تشير الاستبيانات إلى تعرض نسائنا وبناتنا للتحرش في أماكن العمل وفي المدارس والجامعات…

فباختصار، نحتاج قوانين صريحة وواضحة في الوقوف إلى جانب المرأة الموريتانية لحفظ كرامتها وكرامة أبنائها وتماسك أسرتها. هذا يجب أن لا يكون محل جدل. ولكن، ليكن ذلك بطرح مشروع قانون يعدّه فقهاء الشرع والقانون في بلادنا، العارفين بمشاكلها وحاجاتها ومصالحها. وليس بقص وترقيع نصوص قانونية تنطلق من قيم مغايرة، وتستهدف بيئات لها مشاكلها التي تختلف عن تلك التي نعاني منها.